وهي عقد يتضمن تمليك عين لا على نحو المعاوضة، بل مجاناً، ولا على نحو التصدق الذي هو نحو من العبادة المشروطة بالتقرب. وطرفا العقد هما الواهب والموهوب، فلابد من إنشاء المضمون منهما أو من وكيلهما أو من وليهما. ويكفي فيه كل ما يدل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما هو الحال في سائر العقود، فيكفي في الإيجاب مثلاً من الواهب إرسال العين الموهوبة للموهوب بقصد الهبة، وفي القبول من الموهوب أخذها على ذلك.
(مسألة 1): إذا وقعت الهبة على نحو القربة لم تكن صدقه، بل الصدقة ماهية خاصة لابد في وقوعها من قصد عنوانها ولو إجمالاً، ولا يكفي فيها قصد التمليك المجاني على نحو القربة.
(مسألة 2): يعتبر في الواهب والموهوب الكمال بالبلوغ والعقل، ومع عدمه يقوم الولي مقامهما. كما لابد في الواهب من عدم الحجر بسفه أو فلس، على الكلام المتقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 3): يعتبر في صحة الهبة قبض الموهوب للعين الموهوبة بإذن الواهب، فلو مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة، وكانت العين الموهوبة ميراثاً. ويكفي قبض وكيل الموهوب ووليه عنه.
(مسألة 4): لا يعتبر في القبض الفورية، ولا كونه في مجلس العقد.
(مسألة 5): إذا حصل القبض صحت الهبة وملك الموهوب العين الموهوبة من حينه، لا من حين العقد، فإذا حصل لها نماء بعد العقد قبل القبض فهو للواهب.
(مسألة 6): إذا كانت العين الموهوبة حين الهبة في يد الموهوب أو يد وليه أو وكيله صحت الهبة، ولا تحتاج إلى قبض جديد. فإذا وهب الولي ما تحت يده للمولى عليه صحت الهبة، ولم يحتج لقبضه لها عنه بعد ذلك.
(مسألة 7): لا يكفي في القبض هنا التخلية بين الموهوب والعين الموهوبة، ولا التسجيل الرسمي، بل لابد من خروجها عن حوزة الواهب واستيلاء الموهوب عليها خارجاً بحيث يصدق أنها في حوزته عرفاً.
(مسألة
: لابد في الموهوب من أن يكون عيناً، ولا تصح هبة المنفعة.
(مسألة 9): تصح هبة الحصة المشاعة ويكون قبضها بقبض العين بتمامها.
(مسألة 10): تصح هبة ما في الذمة لغير من هو في ذمته، ويكون قبضه بقبض ما يتحقق به وفاؤه، فإذا كان لزيد على عمرو مبلغ من المال كان له أن يهبه لبكر، فتصح الهبة بقبض بكر المال من عمرو. أما إذا وهبه لمن هو في ذمته فإنه يصح من دون حاجة للقبض ويكون بحكم الإبراء.
(مسألة 11): إذا وقعت الهبة وصحت بالقبض لم تلزم، وكان للواهب الرجوع فيها، إلا في موارد:
الأول: أن يكون الموهوب له رحماً ذا قرابة، والمدار فيه على الصدق العرفي.
الثاني: أن يعوض الواهب عن هبته.
الثالث: أن تتغير العين الموهوبة عن حالها التي كانت عليه حين الهبة، كما لو قطع الثوب أو خيط أو طحن الحب أو خبز الدقيق أو طبخ الطعام أو ذبح الحيوان أو انكسر الإناء أو نحو ذلك، سواء كان ذلك بفعل الموهوب أم لا.
(مسألة 12): الظاهر عدم إلحاق الزوج والزوجة بذي الرحم، فيجوز لكل منهما الرجوع فيما يهبه للآخر.
(مسألة 13): لا يعتبر في العوض أن يكون عيناً، بل يكفي كل ما يصدق به التعويض والجزاء عن الهبة، عيناً كان أو منفعة أو عملاً، سواء كان تعويضه بتمليكه ذلك الشيء، أم ببذله له حتى استوفاه من دون أن يتملكه، بل حتى مثل بيعه شيئاً يرغب في شرائه أو شراء شيء منه يرغب في بيعه. نعم لابد في الجميع من أن يصدر بعنوان التعويض والجزاء، والأحوط وجوباً توقف اللزوم على أن يقبله الواهب بالعنوان المذكور أيضاً، أما إذا دفع إليه بعنوان التعويض وقبله لا بالعنوان المذكور، للغفلة عن قصد الدافع ففي الاجتزاء به في لزوم الهبة إشكال.
(مسألة 14) الأحوط وجوباً أن يكون التعويض من الموهوب، وفي الاجتزاء بالتعويض من غيره ـ كالأب والأخ والأجنبي ـ إشكال.
(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل الرجوع بالهبة فليس لورثته الرجوع بها.
(مسألة 16): إذا مات الموهوب قبل الرجوع بالهبة انتقلت العين الموهوبة لورثته وليس للواهب الرجوع بها عليهم. وكذا إذا خرجت عن ملك الموهوب ببيع أو هبة أو غيرهما فإنه ليس للواهب الرجوع عليه لا بعينها ولا ببدلها، أما إذا رجعت إليه بفسخ أو شراء أو غيرهما ففي جواز رجوع الواهب بها إشكال.
(مسألة 17): إذا كانت الهبة مشروطة بشرط وجب على المشروط عليه القيام بالشرط ما دامت الهبة باقية لم يرجع فيها، ومع عدم قيامه بالشرط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط حتى مع أحد الملزمات المتقدمة. أما مع قيامه بالشرط فلا يثبت الخيار المذكور، وتبقى الهبة على الحكم المتقدم.
(مسألة 18): يكره للشخص تفضيل بعض أولاده على بعض في العطية إذا كان معسراً، بل قيل إنه مكروه مطلقاً، لكن لا إشكال في جوازه، كما يجوز له ذلك في نسائه.